فن العيش

فن العيش
نحاول في هذه الحلقة أن نستعرض الأسس الاولى لفن العيش ، ألا وهي الصحة الجسمية والصحة النفسية. واذا اردنا اجادة فن العيش فلا بد أن نعيش صحياً ونتجنب الامراض ، ولا بد أن نعرف بأن الصحة ليست غياب الامراض ، وإنما هي التافي في المجال الجسمي ، والنفسي والروحي والفكري والاجتماعي. كما أن المرض ليس مجرد دخول الجراثيم الى الجسم ، وإنما المرض هو حالة عدم التوازن ، تحصل للفرد جسميا ونفسيا وروحيا ، فإذا حصل عدم التوازن ، فإن الفرد سيمرض جسديا ونفسيا. وهنا نريد أن نستعرض القواعد الاساسية للصحة العامة فإن اتبعتها فسوف تجلب لك السعادة وهي كالاتي :

- عدم الاكثار في تناول الاطعمة ، وعدم خلط الاصناف في وجبة واحدة ، لانها ستؤدي الىالضطرابات شديدة في المعدة.

- الاكثار من الفواكه والخضار لانها تحتوي على الكثير من المواد الغذائية والمعادن التي يحتاجها الانسان.

- تجنب أكل الحلويات لانها تؤثر على الجسم وتولد الكثير من الامراض مثل السمنة ، وداء السكر ، واعتماد على التمر والعسل ، فإن فيهما الكثير من الفوائد الغذائية.

- تجنب الاغذية المصنعة لانها تحتوي على مواد كيميائية حافظة قد تسيء الى الجسم كثيرا.

- الاكثار من أكل الاسماك ، البصل ، الثوم ، الخبز الاسمر والزبادي لانها سوف تسهم في تقوية جهاز المناعة الذي يدوره سمنع دخول الامراض الى اجسامنا.

- عدم تناول الاطعمة في الفتر ما بعد غروب الشمس او في ساعات متأخرة من الليل ، لانها ستؤثر على عملية الهضم وسوف يؤثر ذلك على مزاجك.

- حاول ان تنظم ساعات النوم والنهوض لأن الساعة البيولوجية الموجودة في اجسامنا اذا انتظمت فستجعلنا نشعر بالراحة والهدوء طوال اليوم.

- الاكثار من شرب الماء والسوائل لان اجسامنا تحتوي على 75% من الماء.

- ممارسة الرياضة بشكل منتظم لانها ستبني جهاز المناعة.

- الخلوة يوميا ولمدة نصف ساعة لتساعد على تنشيط الجسم والفكر.

- الالتزام بالصيام ، فإنه سيريح الجسم ويظهره من السموم.

- تدليل الجسم ولو مرة في الشهر ، فإنه سيساهم في تنشيط الدورة الدموية ، ويقوي جهاز المناعة.

- لا بد من الذهاب الى الحمام مرة أو مرتين في اليوم ليتخلص الجسم من الفضلات يوميا ، وبشكل منتظم ، حتى لا تحدث مضاعفات واضطرابات جسمية حادة وضارة ، فإذا مارسنا والتزمنا بشدة بهذه القواعد الذهبية الاساسية في الصحة الجسمية العامة ، فإننا سنحتفظ بجسم قوي يقاوم الامراض ونستمتع بحياة صحية تجلب لنا السعادة ، وعندها نجيد فن العيش.


ماذا نعني بفن العيش ؟

سؤال حار فيه اصحاب الفكر ، فعندما تشتري هاتفا على سبيل الثمال ، فإنه يرفق معه كتيب التعليمات لكي يرشدنا الى كيفية استخدامه ، وهذا سارْ على اغلب الاشياء في الحياة من السيارة الى آلة التسجيل.

ولكن عندما نأتي الى الحياة ، فإنه لا يوجد معنا كتيب للتعليمات يعلمنا كيف نعيش على هذه الارض ، وإنما مجرد ان نلقي في هذه الحياة تحت رحمة الابوين، وهنالك احتمال كبير بأن الابوين يجهلان اساليب التربية ، وموارحل نمو الطفل في الحياة ، فقد يتخبطان بتربيتنا.

وعندما ننشأ نحن في الحياة ، فهنالك كثير من الاشياء تلتصف بشخصيتنا ، وترسم ابعادها ، وعندها نصاب بكثير من الامراض ، والمشاكل النفسية ، وتبدأ معاناتنا في رحلة الحياة . وقد نكون محظوظين عندما نصادف في الحياة أبوين يجيدان تربيتنا وهذه النسبة ضئيلة ليس في العالم العربي فقط ، وإنما في العالم كله. فهنا فقدنا كيف نعيش الحياة ونتلذذ بطعمها ، او بعبارة اخرى فقدنا فن العيش.

نعم ان العيش فن ، كيف للموسيقي ان يجيد العزف على العود او الجيتار ، ما لم يأخذ الدروس ويمضي الساعات الطويلة بالممارسة ، فعندها فقط يستطيع ان يخرج لحناً جيداً ، فإذا لم نتمرن او نعرف ما هي أسس العيش ، أو فن الحياة ، فسوف نعيش حياة فارغة لا معنى لها ، أو قد تكون مؤلمة لاننا نتخبط في طرق الحصول على ما نريد في هذه الحياة ، وليس كل ما نريده يجلب لنا السعادة.

ان الانسان كثيرا ما يطلب ويلهث وراء الاشياء التي تؤدي به الى الألم والمهاناة وبالذات في علاقتنا الواحد بالآخر.
النهاية ولا نهاية لهذه الفكرة ، أولا إن الحياة فن والعيش اسلوب رائع يتطلب مهارات كثيرة لا بد ان يجيدها الانسان حتى يصل الى السعادة في الحياة ، إما من يعلم الانسان على فن العيش وأسسه فهي مسؤولية الوالدين اذا كانا ملمين بها ، اما اذا لم يعرفا فهنا تقع الطامة الكبرى.

فيما يتعلق بالاجهزة التربوية ، فإن جزءا بسيطا من مهامها هو تهيئتنا للحصول على العمل ، اما المهمة الكبرى فهي اعدادنا لفن العيش والتصالح مع الذات.

الفرد نفسه مسؤول للبحث والتدرب على فن العيش ، وهذا طبعا يعارض النفس البشرية لان الفرد بذاته كسول ، واجادة فن العيش يتطلب جدية وتبصرا في الذات وفتح شبابيك جديدة في داخل النفس لكي يدخل اليها الهواء النقي من كل الاتجاهات.


في هذه الحلقة من فن العيش ، سوف نتناول الذكاء ، فإذا أردت ان تجيد فن العيش فلا بد ان تكون ذكيا، ولقد سمعنا الكثير من المصطلحات والتعريفات للذكاء ، وقد صنف الناس هذا بالغبي وهذا بالذكي ، فماذا نعني بالذكاء في المفهوم الحديث والشامل ؟

1. الشخص الذكي هو الذي لا يتأثر بمدح أو ذم الاخرين له ، اي ان عنده مناعة داخلية لمقاومة كلمات الذم او الثناء ، فهو شخص قد وجد تعريفا لنفسه وقدراته سواء كانت ايجابية او سلبية ، فإنه لا يحتاج للاخرين لتحديد قدراته او ايجاد تعريف لشخصيته ، انه مؤمن داخليا بما لديه وهو في غنى عما يصدر عن الاخرين ، وهنا يتجلى الذكاء.

2. الشخص الذي هو الذي يعيش بهجة الحياة مهما جابهته الصعاب فهو يؤمن بأن اليوم الذي يمر به زائل سواء كان هذا اليوم تعيسا او جميلا ، فلماذا تركز على التعاسة ؟ ان الحياة فيها الجمال وفيها القبح ، فالذكي هو الذي يركز على الجنب المفرح في الحياة ، ويتعامل بموضوعية ومن دون تفاعلات مع الجانب المحزن ، وفي ما ينفعنا في الحياة ، ويتعامل بموضوعية ومن دون تفاعلات مع الجانب المحزن ، وهل ينفعنا الذكاء اذا عشنا تعساء في هذه الحياة ، لكي نستفيد من ذكائنا فلا بد ان نركز على بهجة ومتعة الحياة.

ان هذا المفهوم غير متعارف عليه في كثير من المجتمعات حيث ان هنالك فصلا او عزلا بين الذكاء والتعامل مع الحياة اليومية . ان هذا العزل غير مقبول مطلقا من وجهة النظر الحديثة ، والشاملة لتعريف الشخص الذكي ، اي ان الفرد الذكي هو الذي يركز على جانب البهجة والايجابية في الحياة وبالتالي فإنه اجاد فن العيش.

3. الشخص الذكي هو الذي يعرف كيف يهتم بصحته الجسمية والنفسية ، فما هي فائدة الذكاء اذا كان الفرد لا يعرف القواعد الصحية في الاكل او النووم او ممارسة الرياضة. الشخص الذكي هو الذي ينسق حياته ويحمي جسمه من الامراض ، فاذا اشتكى جسمك مرض معين ، فهذا يعطيك الانذار بضرورة الالتزام بما يريده جسمك وليس ما تمليه عليك رغباتك.. والحاصل هو ان اغلب الافراد لا يهتمون بصحتهم ويتبعون رغباتهم وشهواتهم في الاكل والشرب والنوم ، وبالتالي فإنه سيبتلى بالكثير من الامراض التي قد تلازم الفرد طول العمر . فهنا لا يعتبر الفرد ذكيا حيث انه لا يهتم ولا يعرف كيف يحافظ على اهم شيء في هذه الحياة الا وهي الصحة الجسمية والنفسية، وبالتالي فانه لا يجيد فن العيش.

4. الشخص الذكي هو الذي يعرف القاعدة الازلية الثابتة منذ وجود البشر على هذه الارض ، الا وهي ما يخرج منك سوف يعود اليك ، اي انك اذا اعطيت وترحمت على الناس فان ذلك هو ليس للناس وانما لك ، فمثلا اذا اعطيت المحبة للاخرين ، فإنها ستعود اليك باضعاف ، والعكس صحيح ، فإذا خرجت منك الاساءة او حاولت ذم الاخرين ، فإنها ايضا ستعود عليك وتصبح مذموما ، او حاولت التحايل على الاخرين ، وهذا ما نطلق عليه في مجتمعاتنا شطارة ، ولكن الشطارة لا تعني ان تأخذ شيئا لا تملكه ، او تتحايل على الناس فكل ذلك سعود عليك ، وقد تدفع الثمن في امور او اوجه اخرى من حياتك ، وبعبارة اخرى ، فإن كل ما يخرج منك سواء كان سلوكا او لفظا او تفكيرا ، فإنه سوف يعود عليك ، فإن كان ايجابيا وفي صالح الاخرين فهو في صالحك الخاص ، وإن كان سلبيا او غير محبذ فسوف يعود عليك بالمثل .

5. فالتعريف الجديد للانسان الذكي هو الذي يراقب الفاظه وتصرفاته وافكاره ، فلا يخرج منه الا الطيب .. فكن ذكيا واحترم نفسك عن طريق تحديد سلوكك وافكارك بضوابط العودة بالمثل.
مقال الدكتور طالب خفاجي
طبيب في العلاج النفسي